رئيس التحرير : مشعل العريفي
 خالد الوحيمد
خالد الوحيمد

في سبيل التسامح

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

استطاع الإنسان منذ العصور في إثبات ذاته إزاء التحدي الذي قام به من تطور وضعه البيئي وحاجاته الضرورية لكي يرتقي عن سائر المخلوقات الأخرى، ولم يتطور وفق إرادته المحضة وإنما الحاجة الماسة والضرورية للبقاء على هذا الكوكب. وهي حاجات تتكللها الطبيعة وفق مشيئتها. فاليوم الإنسان مختلف عن ماضيه السابق؛ وذلك وفق آلية الاختلاف في التحدي على الوجود، وإن بؤرة الصراع تحتدم لانتسابه لجماعة معينة أو دين محدد أو مذهب مختلف عن الآخر، وذلك الآخر يكون في الغالب ينتمي إلى جماعة الأثنية، حيث لها صفات مشتركة ولا تكون إلا أقلية، وهذه الأقلية تعيش حالة من الهلع والخوف خاصة إذا كانت محكومة من قبل الأكثرية غير المتسامحة، فلو كانت متسامحة لما وجدَ الظلم، فالظلم الجائر هو عدم التسامح مع الآخر المختلف عني في الفكر أو الدين، وينتج عن مغبته أعلى درجات العنف لأنه يقع أعلى مراتب الظلم، وفي حال ضعف تلك الأكثرية أو تشتتها يكون من وراء هذا الهوان ردة فعل من الأقلية حينها تبدأ الحروب والصراعات الداخلية، كما حدث في تاريخ أوروبا من حروبها الدينية بين طوائفها المتضادة، ولم تخمد نار الفتنة فيها إلا برسالة التسامح المنطلقة من فيلسوفها المفكر جون لوك ( 1632م ــ 1704م ). إن الذين يرفضون رسالة التسامح لا شك أنهم في حيرةٍ من أمرهم وأن عقولهم ملوثةً بالضبابية والظلام، فالتسامح كلمة مثالية وراقية جداً فهي لا تعني الانهزام كما يتصورها بعضهم بل هي الشجاعة بمدلولها الذاتي وصفاء نقائها الجوهري، ولا شك أنها تقع في أعلى مراتب المثالية، والإنسان لا يكون متسامحاً إلا بصفاء ونقاء إنسانيته، وخلو قلبه من الأنانية المطلقة، ولاشك أن طريق التسامح هو طريق التعايش، وإن كان المصطلح الأخير هو ثمرة التسامح، وأن روح التسامح يقع ضمن الحوار الهادئ والمتبادل حول المشترك الجامع بين كل الأطراف الإنسانية، فالجميل حين يكون شعوري إنسانياً لا عقدياً أو أيديولوجيا، (ولو شاء اللهُ لجعلكم أمةً واحدةً) النحل:93. والاختلاف هذا يدعو إلى التأمل والحكمة وهو أساس بقاء الإنسان في حيز الوجود وهو اختبار وضع للإنسان ليدرك معنى العدل وأن يتجنب الشر وهي إشارة لعدم كماله والكمال لا يكون إلا في جو من الترف، فقد خُلق الإنسان حراً ليبحث عن كماله الإنساني ولا يستطيع أن يكون كذلك؛ إلا وفق أخلاقه السامية وهي الصدق مع نفسه أولاً قبل أن يكون مع الآخرين فالكذب هو منبع الشك ومن وراء الشك تبدأ الكراهية ومن ثم يحتدم التطرف والعنف بأنيابه الكامنة. واليوم تعيش أمة الشرق العربي في صراع طائفي بمخالبه المتعددة وسط جو من الانقسام وهو نزاع طريقه إلى الفشل (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) الأنفال:46. فالواضح في التأويل أن النزاع بين أي أمة ما؛ هو طريقها إلى الفشل والتخبط بين الحق والباطل وذهاب قوتها بعد معارك ضارية، والأفضل أن تصبر وتكف يدها عن البطش، فالصبر يعطي شيئاً من التفكير والتأمل وهو مفتاح السلام ويمهد إلى سبيل التسامح حتى تكون هذه الأمة على بينة من الضلال أو الاستقامة. نقلا عن الشرق

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up